فصل: مسألة أقر بدين لمن يتهم عليه وأوصى بزكاة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة قال عبدي ميمون يخدم فلانا سنتين ثم هو حر:

وسئل عن رجل قال: عبدي ميمون، يخدم فلانا سنتين، ثم هو حر، ثم قال: ميمون أيضا يخدم فلانا سنة قال ابن القاسم: يتحاصان في خدمة سنتين، فيكون للذي أوصى له بخدمة سنة خدمة ثلثي سنة، وللذي أوصي له بخدمة سنتين، خدمة سنة وثلث قيل له: أرأيت إن قال: ميمون غلامي يخدم فلانا سنة ثم هو حر وقال أيضا: ميمون ذلك الغلام بعينه، يخدم فلانا سنتين؟ قال: يتحاصان في خدمة سنة، ثم هو حر، للذي أوصى له بخدمة سنتين ثلث سنة وللذي أوصى له بخدمة سنة خدمته ثلث سنة.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن العبد إذا حمله الثلث فقد وجب له العتق، بعد خدمة السنة أو السنتين، والخدمة وصية بمال، يجب التحاص فيها إذا ضاقت الوصايا بالخدمة عنها، ولو لم يحمل الثلث العبد، يخير الورثة بين أن يجيزوا الوصية، فيكون الحكم فيها على ما تقدم، وبين أن يعتقوا منه ما حمل الثلث بعد الخدمة، فيتحاص الموصى لهما بالخدمة في خدمة ما حمل الثلث منه؛ لأن الموصي قد يرى الخدمة على العتق. وهذا كله على معنى ما في المدونة وغيرها وبالله التوفيق.

.مسألة الثلث مائة فأوصى فقال لفلان وفلان وفلان ثلث مالي:

وسئل عن رجل أوصى، فقال: لفلان وفلان وفلان ثلث مالي، لفلان عشرة، ولفلان عشرون، ولفلان ثلاثون. أولئك المسمين أولا بأعيانهم. قال: فوجد الثلث مائة على من يرد الفضل؟ قال: على من أوصى لهم بالثلث على عدد الدنانير.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية تفسير روايته عن مالك الواقعة في رسم سلعة سماها من سماعه على الصحيح من التأويل فيها حسبما مضى بيانه هناك. وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى بعبد له لرجل ثم مات فإذا العبد نصف ماله:

وسئل عن رجل أوصى بعبد له لرجل، ثم مات، فإذا العبد نصف ماله، وقال الذي أوصي له بالعبد للورثة: إما أن يسلموا إلي العبد وإما أن يقطعوا لي بالثلث من كل شيء، قال: ذلك إلى الورثة، قيل: فإن قال الورثة: لا نسلم إليك العبد، ونحن نقطع لك بثلث كل ما ترك الميت، فمات العبد قبل أن يقضي للذي أوصي له بشيء، قال: فلا شيء له، إلا أن يكون حكم له بقضاء أن يقطع له ثلث ما ترك الميت، فأما إذا لم يكن يقضي فيه إلا بقول كذا ثم مات العبد فلا شيء له.
قال محمد بن رشد: قوله: إلا أن يكون حكم له بقضاء أن يقطع له ثلث ما ترك الميت يريد: أو بلفظ بات مثل أن يقول: قد قطعنا له بالثلث. وأما إن قالوا: نحن نقطع ثم مات العبد فلا شيء وقال سحنون في نوازله التي تقدمت: إنه إذا قيل للورثة تخيروا فأبوا، فقيل لهم: أقطعوا فقالوا: نعم: إن ذلك قطع له بالثلث، يكون له ثلث ما بقي بعد العبد إن مات العبد على القول بأنه يقطع له الثلث في جميع مال الميت، ولا يكون له في العبد وهو خلاف ظاهر هذه الرواية عن ابن القاسم، والاختلاف في قولهم نعم، بعد أن قيل لهم: اخلعوا بلفظ الأمر، على قياس اختلاف قول مالك في أول رسم من سماع أشهب، من كتاب جامع البيوع في الذي يكون له العبدان فيسام بهما، فيقول الرجل: هذا العبد بأربعين إلى سنة، وهذا العبد بأربعين إلى سنة وهذا العبد الآخر بخمسين إلى سنة خذ أيهما شئت، حسبما مضى بيانه هناك، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى له بوصيتين إحداهما أكثر من الأخرى:

وسئل عن رجل أوصى قال: لفلان علي مائتي دينار، وأوصى في تلك الوصية بعينها: إن لفلان ذلك الرجل بعينه علي مائة دينار، قال: يعطى ثلاثمائة، كان ذلك في وصية واحدة، أو في وصيتين مختلفتين، قيل له: أرأيت لو قال: لفلان علي مائة دينار ثم أوصى له أيضا بمائة دينار، يتصدق بها عليه؟ قال: يعطي مائتين، كان ذلك في وصية واحدة أو وصيتين. قال: إلا أن يكون أوصى لرجل في مرضه بمائة دينار، وأوصى له أيضا في وصية أخرى بمائتي دينار، فإنه يعطي الأكثر منهما، كان ذلك في الوصية الأولى أو في الآخرة.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه إذا أوصى له بوصيتين إحداهما أكثر من الأخرى: إنه يكون له الأكثر منهما كانت الأولى أو الآخرة، هو مثل ما تقدم من قوله في رسم الصلاة من سماع يحيى مثل قوله في المدونة وغيرها، لم يختلف في ذلك قوله، وكذلك إذا كان الوصيتان مستويتين، يكون له الواحدة منهما. وقد مضى هناك توجيه قوله. وذكر ما في ذلك من الاختلاف، فلا وجه لإعادته.
وأما إذا أوصى له بدين بعد دين، أو بوصية ودين، فلا اختلاف أحفظه في أنهما يكونان له جميعا والله الموفق.

.مسألة قال في وصيته بيعوا جاريتي ممن يرفق بها:

قال ابن كنانة وابن القاسم في رجل قال في وصيته: بيعوا جاريتي ممن يرفق بها، قالا: تباع ممن يرى أنه يرفق بها من غير شرط ولا شيء، قيل له: فإن أبى أن يشتريها حتى يوضع له من ثمنها قال: أرى أن لا يوضع عنه شيء لأن الناس سواه كثير، فيختار لها رجل صالح، قال: ولو كان قال بيعها ممن أحبت إذا لوضع عنه ما بينه وبين ثلث قيمتها.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي أوصى أن تباع جاريته ممن يرفق بها، إنه لا يوضع عن المشتري الذي يظن أنه يرفق بها شيء من ثمنها صحيح، لا اختلاف فيه أحفظه. وأما الذي أوصى أن تباع جاريته ممن أحبت، فلا اختلاف أحفظه في أنه يوضع عن الذي أحبت رجل صالح، قال: ولو كان قال: بيعوها ممن أحبت إذا لوضع عنه ما بينه وبين ثلث قيمتها. قوله: في الذي أوصى أن تباع جاريته أن تباع منه إذا أبى أن يشتريها إلا بوضيعة ثلث ثمنها وإنما الاختلاف هل هي وصية لها أو للمشتري فيما يتعلق بذلك من الأحكام؟ حسبما مضى القول فيه رسم الوصايا من سماع أشهب والله الموفق.

.مسألة الجارية يوصى فيها أن تباع ممن يعتقها فتختار البيع:

وقال في الجارية يوصى فيها أن تباع ممن يعتقها، فتختار البيع قال: إن كانت رائعة كان ذلك لها أن يحسبها الورثة مملوكة، أو يبيعوها بغير شرط، وإن كانت دنية، فليس ذلك لها، وأثمان الستين ليست برائعة، قيل له: فاليوم على رخص الرقيق قال: نعم. واليوم ليس هي برائعة يريد في هذا.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول عليها في رسم حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان، فلا وجه لإعادته.

.مسألة أوصى بوصيتين في مرض واحد:

وقال في الذي أوصى بوصيتين في مرض واحد، أوصى في إحداهما لرجل بعشرة دنانير وعبد وأوصى له في الأخرى بخمسة دنانير وبردون، قال: يعطى العشرة والغلام والبردون، إن وسع ذلك الثلث، فإن لم يسع حاص بذلك، وإن لم يكن معه وصايا أخذ ما حمل الثلث، إلا أن يجيزوا وصاياه، وذلك أن مالكا قال: إذا أوصى له بوصيتين في وصية واحدة مختلفة من الدنانير، كان له الأكثر من العدة، كانت الأولى أو الآخرة، وسواء عندي كان مع العين وصية غيرها، أو لم تكن، يعطى الأكثر مما أوصى له من العين، وأما غيره فإنه يأخذ ما في كل وصية إذا كان مختلفا على ما ذكرت، ولو أوصى له في واحدة بعبدين، والأخرى بعبد، كان محمله عندي محمل الدنانير، ولم يعطه إلا عبدين، الأكثر من الوصيتين، إلا أن يسمى العبيد بأعيانهم مختلفين فيكون له جميعا. محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم قبل هذا في هذا السماع ومثل ما في المدونة وغيرها.
وقد مضى في رسم الصلاة من سماع يحيى توجيه قول ابن القاسم، وذكر الاختلاف في ذلك وبالله التوفيق.

.مسألة وصي اشترى رقبة فأعتقها فإذا هي نصرانية:

وقال في رجل وصي اشترى رقبة فأعتقها، فإذا هي نصرانية، قال: إن كانت من ظهار أو قتل خطأ أو شيء واجب، فأرى أن يضمن؛ لأنه فرط حين لم يسأل ويستحسن.
قال محمد بن رشد: قد تقدم القول في تضمين الوصي فيما أخطأ فيه في أول سماع أصبغ، وقرب آخر الرسم منه، وفي رسم الأقضية من سماع أشهب فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة قال أعتقوا عني رقبة فأعتقوها ولم يسم من أي شيء:

قلت: فإن قال: أعتقوا عني رقبة فأعتقوها ولم يسم من أي شيء، أهي على الواجب حتى يعلم غير ذلك؟ قال: لا بل على غير الواجب حتى يعلم الواجب.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الأصل براءة الذمة، فلا يثبت فيها شيء إلا بيقين. وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى فقال مائة دينار لبني عمي فلان على فقرائهم فوجدوا كلهم أغنياء:

وقال في رجل أوصى فقال: مائة دينار لبني عمي فلان: على فقرائهم، فوجدوا كلهم أغنياء، قال: يوقف عليهم، فإن افتقر منهم أحد دفع إليه، قيل له: فإن لم يفتقر منهم أحد. قال: يرجع ميراثا إلى ورثة الذي أوصى بها.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة. وقوله فإن لم يفتقر أحد معناه: حتى مات وبالله التوفيق.

.مسألة قال أعتقوا عبيدي القدماء وله عبيد منذ عشر سنين:

وقال في رجل قال: أعتقوا عبيدي القدماء، وله عبيد منذ عشر سنين، وعبيد منذ خمس سنين، ومنذ ثلاثة سنين وسنة، قال: إن حملهم الثلث، عتقوا كلهم، وإن كان له عبيد منذ أقل من سنة، فليسوا بقدماء. قيل له: فإن لم يكن له عبيد قبل السنة، وإنما هم بعد السنة منذ خمس وأربع وأكثر وأقل ولم يحملهم الثلث، كيف يصنع فيهم؟ قال: يتحاصون كلهم، فيعتق منهم ما حمل الثلث.
قال محمد بن رشد: إنما قال فيمن قال: أعتقوا عبيدي القدماء، إنهم يعتقون كلهم إن حملهم الثلث، إذا كان أحدثهم ملكا له عنده سنة فأكثر؛ لأنه رأى السنة حدا للقدم، وهو قول ربيعة، واستدل على ذلك بقول الله عز وجل: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39] وهي سنة تامة. وله في كتاب ابن المواز والمجموعة: إنه إن قال: أعتقوا قدماء رقيقي، عتق الأول فالأول، حتى ينفذ الثلث، وإن وسعهم الثلث كلهم، نظر إلى الذي يظن أنه أراد في قدم الكسب وحدوثه، فليبدأ القدماء، ولا شيء للمحدثين، وإن اشتراهم جملة واحدة عتق ثلثهم. وقوله: فالسهم، يريد: إن لم يكن له مال غيرهم، وأما إن كان له مال غيرهم، فإنما يعتق بالسهم ما حمل الثلث منهم. وقوله: قدماء رقيقي على قياس ما تقدم من قوله في أول رسم من سماع أصبغ. وفي كتاب ابن المواز في الذي يقول: في خيار رقيقي ففرق بين أن يقول: عبيدي القدماء أو قدماء عبيدي لافتراق اللفظين في المعنى وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى فقال ثلث مالي لعبدي وثلث مالي لفلان أجنبي:

وقال في رجل أوصى، فقال: ثلث مالي لعبدي وثلث مالي لفلان أجنبي، قال: يكون الثلث بين الأجنبي وبين عبده، فما صار للعبد عتق منه بقدر نصف الثلث.
قال محمد بن رشد قوله: إنه يعتق من العبد بقدر نصف الثلث الذي صار له، صحيح على مذهبه وروايته عن مالك في المدونة وغيرها؛ لأنه قد ملك من رقبته نصف ثلثها، فوجب أن يعتق عليه ما ملك من رقبته وبقيته فيما صار له من الثلث إن حمل ذلك بقيته، وإن لم يحمل ذلك بقيته وله مال سواه عتق عليه ما بقي منه في ذلك، بمنزلة العبدين الشريكين، يعتق أحدهما حظه فيقوم عليه حظ شريكه.
مثال ذلك أن يكون قيمة العبد ثلاثين، ويترك الميت سواه ستين، فيكون ثلث الميت، وهو ثلاثون بينهما للعبد خمسة عشر، يجعل له في رقبته، فيعتق منه نصفها، ويكون للموصى معه خمسة وللورثة بقية العبد، وخمسة وأربعون، وإن كان للعبد مال من غير الوصية، قوم فيه بقيته على الورثة، فيدفع إليهم من ماله خمسة عشر، قيمة نصفه، وأعتق جميعه.
وقد مضى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم ما في هذا من الاختلاف. وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى إن باع ورثته بعده الدار فثلثها للمساكين:

وسئل عن رجل أوصى عند موته، ولم يترك إلا دارا وأوصى إن باع ورثته بعده الدار فثلثها للمساكين، ومن باع منهم نصيبه فثلث ما يصير له للمساكين، قال: هو على ما أوصى. قيل له: فإن الدار قوم سفليها بمائة دينار، وقوم علوها بمائة وأربعين، فأراد النساء أن يأخذن العلو، ولهن عشر قراريط من الدار، فقال النسوة: نحن نرد على الورثة أربعين دينارا أو يكون العلو لنا. قال ابن القاسم: لا نرى أن يترادا بالدنانير، ولكن يقسم للنساء بحقهن، ولو ربع بيت أو أقل أو أكثر، ولا يترادان بشيء من الدنانير. قيل: فإن القاضي قد قضى بارتداد النساء على الرجال، أتراه؟ ولا يكون على الرجال في أربعين التي أخذوها بشيء؛ لأنه ليس ببيع، فإن النساء أردن بيع ما كان لهن في الدار. قال: يكون عليهن أن يتصدقن بثلث ما كان لهن مما ورثن فقط، ولا يكون عليهن في العشرين شيء يخرجن العشرين. قال: لا ثم يتصدقن بما بقي، فإن باع الرجال الذي لهم، أخرجوا لهم ثلث ما باعوا به، وثلث العشرين التي أخذوها.
قلت: أرأيت إن احتاج النساء إلى بيع فبعن تلك العشرين التي رددنها على الرجال قط، أثرى عليهن فيها شيئا أو على الرجال حين باع النساء؟ قال: لا ليس على أحد منهم شيء.
قال محمد بن رشد: كان القياس في هذه المسألة على ما يقتضيه ظاهر لفظ الموصي، فحمله على عمومه، إذ قال: ومن باع منهم نصيبه بثلث ما يصير له للمساكين أو لم يفرق بين أن يبع نصيبه من أجنبي، أو من بعض الورثة، فيوجب على الرجال الصدقة بثلث الأربعين التي قبضوها من النساء؛ لأنهم قد باعوا بها من النساء بعض حظهم الواجب لهم بالميراث من الدار، إلا أنه رأى أن الموصي إنما أراد ألا يخرج الدار عنهم، ولا يبيعوها ولا شيئا منها من غيرهم. فرأى وجه ما أوصى به، أنهم إن باعوا الدار كان عليهم أن يتصدقوا بثلث الثمن، وإن باع أحد منهم حظه الواجب له بالميراث في الدار من أجنبي كان عليه أن يتصدق بثلث ثمن ذلك، وعلى هذا أتى جوابه في المسألة فقال: إنه لا شيء على الرجال في الأربعين التي أخذوها من النساء في الزيادة على حظهن من العلو، وقوله: أفترى رد النساء على الرجال بيعا؟ معناه: أتراه بيعا يجب به على الرجال الصدقة بثلث الأربعين، قال: لا فإن باع النساء العلو من أجنبي بعد أن استخلصوه بأربعين التي زادها، كان على الرجال في الأربعين التي أخذوها من النساء في الزيادة عليهن، أن يتصدقن بثلث ما كان لهن بالميراث في الدار، ولم يجب عليهن شيء فيما ناب من الثمن، ما يجب منه لما صار إليهن من قبل الرجال بالأربعين التي زادها. فهذا معنى قوله: ولا يجب عليهن في العشرين شيء، وكان حقه أن يقول: ولا يجب في الأربعين شيء أي فيما يجب من الثمن، لما صار إليهن من قبل الرجال بالأربعين؛ لأنه لم ينزل المسألة إلا على أنهن رددن أربعين لا على أنه رددن عشرين. وقوله: يخرجن العشرين ثم يتصدقن، بما بقي، لفظ خرج على التجاوز، ومعناه: يخرجن ما يجب من الثمن لما اشتروه من الرجال بالعشرين، إن كن رددنهم عشرين ثم يتصدقن بثلث ما بقي، لا بما بقي. وكذلك قوله: إن باع الرجال الذي لهم أخرجوا ثلث ما باعوا به، وثلث العشرين التي أخذوها. معناه: إن كانوا أخذوا من النساء في خروجهن العلو عشرين، كما ذكر في أول المسألة، وهو صحيح؛ لأن النساء لما بعن جميع حظهن من الدار، ثم باع الرجال جميع حظهم منها وجبت الصدقة بجميع الثمن. وقد تصدق النساء بثلث ثمن ما ورثته، فوجب على الرجال أن يتصدقوا بثلث جميع ما ورثوه أيضا، ما باعوه من الأجنبي، وما كانوا باعوه من النساء؛ لأن الذي باعوه من النساء قد خرج عن أيديهم بالبيع، ولو باع النساء ما وجب لهن بالميراث... لأنفسهم ما وجب لهم لما أخذنه من الرجال بالأربعين، ثم باع الرجال الذي لهم لم يجب عليهم أن يتصدقوا بثلث الأربعين؛ لأن الذي باعوا من الدار باق بأيدي النساء. فمتى ما باعوه وجب على الرجال الصدقة بثلث الأربعين. وقوله: إنه احتاج النسوة إلى بيع، فبعن ملك العشرين التي رددنها على الرجال، أي ما يجب لهن من الدار، فلا شيء عليهن في ثمن ذلك صحيح؛ لأن ما ورثنه من الدار لم يبعنه، فلا شيء عليهن في ثمن ما بقي مما اشترينه من الرجال. وأما قوله: إنه لا يجب على الرجال في ذلك شيء حين باعه النساء ففيه نظر، وكان الأظهر أن يجب عليهم إذا باع النساء ذلك، الصدقة بثلث الأربعين التي قبضوها من النساء في ذلك، أو في ثلث العشرين، إن كانوا إنما قبضوا منهن عشرين ووجه ما ذهب إليه أنه لما كان قد بقي بين يدي النساء من الدار قدر ما باعوه منهن أو أكثر لم يجب عليهم في الأربعين أو العشرين شيء؛ لأن الذي باعوه بها لم يخرج على الورثة وفيه نظر، وكان القياس أن يكون ذلك مقبوضا؛ لأن ما بعنه مشاعا فينظر ما يقع ما بعنه من الدار، مما ورثنه واشترينه من الرجال مجموعا، وهو السبعان على ما نزل عليه المسألة، فيكون على الرجال أن يتصدقوا بثلث سبع الأربعين أو العشرين التي قبضوها من النساء وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى فقال ثلث مالي لابن عبدي ولعبده ابن حر:

وعن رجل أوصى عند موته، فقال: ثلث مالي لابن عبدي ولعبده ابن حر، قال: إن كان ابن عبده كبيرا فقبل تلك الوصية، عتق عليه أبوه، وإن لم يقبلها عتق عليه ثلثه يريد أباه، وإن كان صغيرا أعتق عليه ثلثه فقط، وإن كان الثلث أكثر من رقبة أبيه أعطيه الابن.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه إن قبل الوصية عتق عليه أبوه صحيح على ما في المدونة وغيرها، لا اختلاف في ذلك؛ لأنه لما أوصى له بثلث ماله، والعبد من ماله، فقد أوصى له بثلث العبد، وبثلث ما بقي من ماله، فإن قبل عتق عليه باقيه في بقية الثلث الذي أوصى له به. وفيما سوى ذلك من ماله. وأما قوله: إذا لم يقبل إنه يعتق ثلثه ففي ذلك اختلاف، قيل: إنه إذا لم يقبل سقطت الوصية، وهو الذي يأتي على قول مالك في رواية علي بن زياد عنه في المدونة. وقيل: إنه يعتق عليه ثلثه، ويكون الولاء له. وهو قول ابن القاسم في المدونة وقيل: إنه يعتق، ويكون الولاء للموصي، وهو قوله في سماع سحنون في رسم القطعان، من سماع عيسى من كتاب العتق.
وقد مضى توجيه هذا الاختلاف في سماع سحنون المذكور في رسم المكاتب، من سماع يحيى من كتاب الصدقات والهبات. وقوله: إن كان الثلث أكثر من رقبة ابنه أعطيه الابن، معناه: في الكبير إذا قبل، وأما الصغير إذا أعتق عليه ثلث أبيه فيعطى ثلث سائر مال الموصي وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى الرجل عند موته فقال حاسبوا ابني بما أنفقت عليه:

قال ابن القاسم: قال مالك: إذا أوصى الرجل عند موته فقال: حاسبوا ابني بما أنفقت عليه. قال: إن كان مال ابنه عينا لم يجز قوله؛ لأنه لو أراد أن يحاسبه بما أنفق عليه أخذه قبل موته، وإن كان ماله إنما هو عرض حوسب به.
قال محمد بن رشد: كان من أدركنا من الشيوخ يحملون هذه الرواية على الخلاف لما في أول سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة؛ لأنه قال في هذه الرواية: إنه لا يحاسب إذا كان المال عينا، وإن أوصى الأب أن يحاسب. وقال في تلك: إنه يحاسب إذا لم يقبل ذلك عند موته، فدل ذلك على أنه لو أوصى أن يحاسب لحوسب. والذي أقول به: إن ذلك ليس باختلاف من القول، والفرق بين المسألتين أنه لم يكتب عليه النفقة في هذه الرواية، ولذلك قال: إنه لا يحاسب وإن أوصى أن يحاسب. وكتبها عليه في ذلك، ولذلك قال: إنه يحاسب إن أوصى بذلك.
وقد مضى هناك القول على هذه المسألة بتفريع وجوهها مستوفى فأغنى ذلك عن إعادته.

.مسألة أقر بدين لمن يتهم عليه وأوصى بزكاة:

وقال في رجل أقر بدين لمن يتهم عليه، وأوصى بزكاة؟ قال: يبدأ بالدين من رأس المال، ثم تكون الزكاة من ثلثي ما بقي. قال الإمام القاضي: هذا بين صحيح على ما في المدونة وغيرها؛ لأنه لما أقر بالدين، فقد أراد أن تكون الزكاة التي أوصى بها في ثلث ما بقي من ماله بعدما أقر به من الدين، وإن رد بعد موته للتهمة؛ لأنه لم يعمل هو على أن يرد وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى فقال ثلثي لأهلي:

وقال في رجل أوصى فقال: ثلثي لأهلي، قال: لا تدخل الخالة ولا الخال. قال: وأرى العمة تدخل مع العصبة؛ لأنها لو كانت رجلا ورث. قيل له: ولو لم يكن بقي من أهله إلا الخال والخالة، لم تر لهما شيئا قال: نعم. إذا إنما يكون للعصبة دونهما.
قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة في رسم أسلم من سماع عيسى وبالله التوفيق.

.مسألة يقض المريض بعض غرمائه دون بعض:

وقال: لا يقض المريض بعض غرمائه دون بعض؛ لأنه في حالة يحجب فيها عن ماله، بمنزلة المفلس سواء.
قال محمد بن رشد: يريد: المريض الذي يحجب فيه عن القضاء في ماله، وكذلك روى أصبغ عنه. وقوله بمنزلة المفلس سواء، يريد: أنه لا يجوز قضاؤه فيه عنده، كما لا يجوز في المفلس لا أن له حكم المفلس إذ لا اختلاف في أن إقراره بالدين لمن يتهم عليه جائز في المرض ما لم يفلس، والرهن بمنزلة القضاء لا يجوز عنده، وأجاز ذلك غيره في المدونة رهنه وقضاؤه كما يجوز بيعه وشراؤه وإقراره بالدين لمن لا يتهم عليه والفرق عند ابن القاسم بين القضاء والرهن، وبين الإقرار أنه في الإقرار، لم يحاب بعض الغرماء على بعض، وفي القضاء والرهن قد حابا بالذي قضاه أو رهنه على غيره، فإقرار المديان بالدين لمن لا يتهم عليه، يجوز في الصحة والمرض عند جميعهم، وقضاؤه ورهنه بعض غرمائه دون بعض لا يجوز عند مالك وابن القاسم في المرض. واختلف قولهما في ذلك في الصحة، وكذلك إقراره لمن يتهم عليه في الصحة، اختلف قولهما في ذلك، ولا اختلاف في أن ذلك لا يجوز في المرض.
فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق..

.مسألة يقول في مرضه عبدي لعبد الرحمن ثم يقول بعد ذلك عبدي لعبد الله:

وعن الرجل يقول في مرضه: عبدي لعبد الرحمن، ثم يقول بعد ذلك: عبدي لعبد الله بتلا قال: لا أرى لعبد الرحمن وصية إلا أن يقول: عبدي لعبد الله بتلا بعد موتي، فإذا قال هذا تحاصا في العبد: عبد الله وعبد الرحمن جميعا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا بتله لعبد الله، فقد نقض وصيته فيه لعبد الرحمن؛ لأن الهبة رجوع في الوصية. وأما إذا ابتله له بعد الموت فهي وصية له أيضا، يشتركان فيها. قال: وهو مثل ما تقدم له قبل هذا في هذا السماع وغيره ومثل ما في المدونة وغيرها.
وقد مضى في رسم الصلاة من سماع يحيى توجيه قول ابن القاسم في هذا وذكر الاختلاف فيه. وبالله التوفيق.

.مسألة قال عرصتي لعبد الرحمن في مرضه ثم بناها في مرضه:

قلت: فإن قال: عرصتي لعبد الرحمن في مرضه، ثم بناها في مرضه، أترى ذلك انتزاعا؟ قال: لا ولكنه يحاص بقيمة العرصة مع أهل الميراث، ويضرب أهل الميراث بقيمة البناء. وسئل عنها سحنون: فقال: أرى هذا نقضا لوصيته؛ لأنه قد أحال العرصة عند حالها فقد نقض وصيته.
قيل له: فلو أوصى لرجل بداره في مرضه، ثم هدمها هل ترى ذلك نقضا لوصيته؟ قال: الذي أقول أنا به: فأرى له قاعة الدار؛ لأن القاعة لم تزل على حالها، وأما غير البنيان وإزالته عن حاله فقد نقض وصيته في البنيان.
قلت له: فإن قال: ثوبي لعبد الرحمن، ثم قطعه قميصا فلبسه في مرضه قال: هو لعبد الرحمن، وليس بتقطيعه إياه، ولا لبسه انتزاعا. قال: وإن قال: شقتي لعبد الرحمن، ثم قطعها قميصا في مرضه وسراويلات رأيت ذلك انتزاعا لأنه إذا أوصى ثم حوله عن اسمه حتى يسمي اسما آخر رأيت ذلك انتزاعا؛ لأنه إذا قال: شقتي ثم قطعها قميصا فقد صار اسمها خرقة ولأنه إذا قال:
ثوبي في هذا ثم قطعه قميصا، فاسمه ثوب أيضا، وليس تقطيعه إياه بالذي يحوله عن أن يكون اسمه ثوب.
قلت له: فإن أوصى بثوب، ثم صبغه صبغا يزيد في ثمنه، كيف يكون الثوب؟ قال: يضرب بقيمته أبيض، ولا شيء له في الصبغ.
قال محمد بن رشد: قد مضى بعض هذه المسألة والقول عليها في رسم الوصايا والأقضية، ورسم الوصايا الصغير، من سماع أصبغ. ومضى تحصيل القول فيها مستوفى في نوازل سحنون فلا وجه لإعادته. وبالله التوفيق.